عقبة بن نافع الفهري العالم الجليل والداعية الناصح ح: 01

عقبة بن نافع الفهري.. الصحابي الجليل.. أراد له الدارسون المحدثون عن قصد أو غير قصد أن لا يظهر إلا في صورة المحارب الذي لا يكل والعسكري الذي لا يتقن إلا الجد والكد.. وفي خضم ذلك نسيت أو تنوسيت شخصيته العلمية والدعوية وجانبه الإنساني.. وكأنه قد من حجر.. والحقيقة غير ذلك.. فعقبة الإنسان وعقبة العالم وعقبة الداعية مواضيع تحتاج إلى بحث ومادته العلمية موجودة لمن يبحث عن الحقيقة ولمن يهوى اصطياد اللآلئ في أعماق البحار..
ولقد عجبت من باحثين يسوقون المعطيات إلى خلاصات رسموها والحق والمنطق أن المعطيات هي التي تقودنا إلى الحقيقة مهما كانت حلوة أو مرة.. أردناها أم لم نردها..
ولقد بحث في جانب من جوانب شخصية عقبة المنسية وأرجو أن أكون موفقا.. كما أنني حذفت الهوامش.. ليس لأنه ليس لدي أدلة بل لدي منها الوفير.. ولكني لن أبذلها إلا لمن يطلبها..
ورسالتي إلى القراء الكرام: أقول لهم: إن مواضيعنا وكتاباتنا بدون تعليقاتكم ومناقشاتكم ليست لها قيمة.. المهم أن تكون مناقشات هادفة مبنية على أساس صحيح.. وبالله التوفيق..
***
هو عقبة بن نافع بن عبد القيس الفهري، من أسرة اشتهرت بالعلم والفروسية والشجاعة والإمارة، وكان أعمامه وإخوته من السابقين الأولين لدعوة الهدى والنور، حيث سارعوا إلى رسول الهدى صلى الله عليه وسلم؛ فأسلموا وهاجروا وجاهدوا، وضحوا بالنفس والنفيس من أجل نشر الإسلام وإرضاء رب العالمين.(1)
ومن أبناء عقبة وأحفاده وأحفاد أحفاده دعاة وعلماء وأمراء زخرت بهم كتب التاريخ والتراجم، وزكت بفضائلهم وأمجادهم، ولم يتوفر هذا لأي فاتح من الفاتحين غيره، وهذا في بلاد إفريقية والمغرب والأندلس.. قال ابن حجر: ولولده بمصر والشام وإفريقية بقية.(2)
كان أبوه ممن شهد فتح مصر، كما شهدها هو مع أخيه لأمه عمرو بن العاص، وشارك في ذلك، كما شارك في فتح ليبيا وتونس والجزائر والمغرب الأقصى.(3)
كان عقبة قائدا من أشهر قادة العالم عبر التاريخ، كما كان عالما جليلا، وراوية، وكان خطيبا فصيحا، سهل العبارة، وجيز التعبير، جزل الخطاب، تحس عند قراءة خطبه بتدفق عباراته القوية كالدم الطاهر يضخ في القلب الحي..(4)
شيوخه:

رسول الله صلى الله عليه وسلم: وهو شيخ مشايخ الإسلام على الإطلاق، وهو المعلم الأول، وهو القدوة في العلم والخطابة وحسن التعبير والتوجيه، والعمل بما يعلم.. وقد ذكر بعض العلماء له حديثا رواه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهو حديث: (إن الله تعالى إذا أحب عبدا حماه الدنيا كما يحمي أحدكم مريضه ألما ليشفى). قال ابن عساكر: (وهو الذي قال النبي صلى الله عليه وسلم: رأيت كأني في دار عقبة بن رافع فأتينا برطب أبر طاب فأولتهما الرفعة، والعافية، وأن ديننا قد طاب لنا).(5)
عبد الله بن عمر بن الخطاب: ولد 11 سنة قبل الهجرة، قدم الشام والعراق والبصرة غازيا. وقال ابن يونس: شهد ابن عمر فتح مصر، واختط بها، وروى عنه أكثر من أربعين نفسا من أهلها. وعن سالم ابنه: مات أبي بمكة، ودفن بمقبرة المهاجرين، سنة 74 وهو ابن 84 سنة. قال أبو حاتم الرازي: سمع -أي عقبة بن نافع- ابن عمر.(6)
عثمان بن عفان: من السابقين الأولين، وصهر رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابنتيه، انطلقت فتوح إفريقية في عهده وبأمره، وهو الذي أرسل عقبة في بداية الأمر إلى أطراف إفريقية، ومن العلماء من ذكر أن عقبة كان هو الرسول إلى عثمان بالمدينة بانتصار المسلمين على جرجير وجنده وافتتاح إفريقية الفتح الأول. قال ابن حجر: عن ابن لهيعة، قال: قدم عقبة بن نافع على عثمان بفتح إفريقية، بعثه الله عبد الله بن سعد بن أبي سرح.(7)
عمرو بن العاص السهمي: أخوه وأميره وواليه ومعلمه؛ أسلم قبل فتح مكة، وأمره النبي صلى الله عليه وسلم على سرية ذات السلاسل وتولى في عهده صلى الله عليه وسلم وعهد خلفائه من بعده، وفتح مصر، ولقد كان عقبة ملازما لأخيه عمرو منذ نعومة أظفاره، وعليه تعلم الفروسية والقيادة وحسن السياسة والحكمة والدهاء السياسي.. ولا يحتاج هذا إلى دليل..(
عبد الله بن عمرو بن العاص السهمي: صحابي ابن صحابي، وعمه عقبة بن نافع، شهد مع أبيه فتح مصر، ونزل بها في دار أبيه التي اختطها، ولي مصر بعد وفاة أبيه، ثم عزله معاوية. غزا إفريقية مع ابن أبي سرح. أكثر الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم، اختلف في وفاته بين (63-73هـ)(9)
معاوية بن أبي سفيان: خال المؤمنين، وهو أول خلفاء الدولة الأموية، استؤنفت الفتوح في إفريقية في عهده، وكان من كتاب الوحي، ولقد مكث عقبة في دمشق سبع سنوات وهي التي عزل فيها عن إفريقية، ولا شك أنه أخذ عن معاوية كثيرا إذ كان قريبا منه؛ قال ابن يونس: يروي عن معاوية. ومما رواه ابنه أبو عبيدة بن عقبة: أن أباه وفد على معاوية بن أبي سفيان فقرب له الغداء، فقال: اقترب يا عقبة، فاستأخرت، فقال: اقترب يا عقبة، قلت: إني صائم، قال: إنها ليست بسنة. وكان عقبة على سفر. وروى عنه ابن وهب في موطئه، قال: كنت مع أبي عقبة بن نافع بإفريقية، فقصر الصلاة في أسفاره سنة أو سنتين، حتى إليه معاوية بن أبي سفيان فعزم عليه ليتمن).(10)
تلاميذه:

أنس بن مالك بن النضر الأنصاري: خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، روى عنه وعن أبي بكر وعمر وعثمان وابن مسعود وابن رواحة وغيرهم.. روى عنه الحسن وقتادة وابن سيرين والزهري وابن جبير والضحاك بن شرحبيل وخلق كثير، نزل البصرة واستقر بها بعد المدينة وفيها مات سنة 93هـ. قال ابن عساكر: ذكره في حديث أنس بن مالك، وقال ابن حجر: روى عنه أنس.(11)
عمار أو عمارة بن سعد التجيبي: شهد الفتح بمصر. وله رواية عن عمرو بن العاص وأبي الدرداء وغيرهما. مات سنة خمس ومائة. قاله ابن يونس عن الحسن بن علي العداس قال روى عنه الضحاك بن شرحبيل.(12)
ابنه عياض بن عقبة بن نافع: أبو يحيى كان من خيار التابعين وفضلاء المؤمنين، يروي عن عبد الله بن عمرو. روى عنه يزيد بن أبي حبيب وإسحاق بن أبي فروة، وأخوه أبو عبيدة بن عقبة. سكن إفريقية وأوطنها مع والده وبعد وفاته. ثم انتقل إلى مصر في آخر عمره، فسكنها وأوطنها، وتوفي بها سنة 100هـ.(13)
ابنه مرة (أبو عبيدة) بن عقبة بن نافع: كان له فضل ودين، أدرك معاوية، كان مع أبيه بالقيروان. وتوفي سنة 107 وهو يريد الحج، فيما يقال. روى عن ابن عمر وغيره، وروى عن أبيه عقبة بن نافع، وروى عنه عبد الكريم بن الحارث وموسى بن أيوب. (14)
علي بن رباح اللخمي المصري: أبو موسى (15-114هـ) عالم محدث اتفقوا على توثيقه، كان فاضلا جليلا، وكان فقيها صالحا، روى له مسلم في مسنده، وذكره ابن وهب وسحنون في مدونته، قدم إفريقية غازيا سكن القيروان، واختط بها منزلا ومسجدا وتفقه أهلها على يديه كان يفد لأهل مصر. يروي عن جماعة من الصحابة، منهم عمرو بن العاص وولده عبد الله وعقبة بن عامر وأبو هريرة وعائشة أم المؤمنين.(15)
عبد الله بن هبيرة السبائى المصري: يكنى أبا هبيرة، من ثقات أهل مصر ومتقنيهم وكان شيخا صالحا توفي عام 126هـ، وله ست وثمانون سنة. روى عن مسلمة بن مخلد، وأبي تميم الجيشاني. روى عنه بكر بن عمرو، وحيوة بن شريح، وابن لهيعة، ويحيى بن سعيد الأنصاري. ولد سنة الجماعة (40)، ومات سنة 126 وله 86 سنة.(16)
دخين بن عامر الحجري: أبو ليلى، (ت 100) كان من فضلاء المؤمنين، دخل إفريقية وأقام بها، وكتب لعقبة بن نافع، وشهد معه المشاهد كلها والحروب والفتوحات التي كانت بإفريقية والمغرب، ثم رجع إلى مصر. روى عنه من أهل القيروان بكر بن سوادة الجذامي ويزيد بن أبي منصور وعبد الرحمن بن زياد. (17)
بحير بن ذاخر بن عامر المعافري، ثم الناشري: حدث عن عمرو بن العاص وابنه، ومسلمة بن مخلد وعقبة بن نافع. حدث عنه الأسود بن مالك الحميري وابن لهيعة وكان سيافا لمسلمة. وروى أيضا عن عبد العزيز بن مروان. روى عنه ابنه علي بن بحير بن ذاخر.(18)
رجاء بن كليب بن خيار القتباني: يروي عن عقبة بن نافع الفهري. روى عنه القاسم بن الحسن بن راشد –خال سعيد بن كثير بن عفير- الكثير. توفي سنة 131.(19)
قيس بن يسار بن مسلم الكناني: يقال: أنه صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقاتل معه. وقاتل أيام الردة. دخل إفريقية غازيا مع عقبة بن نافع، وهو جد أبي محرز القاضي.(20)
صاعد بن محمد: مصري، روى عن أبي عبيدة بن عقبة بن نافع عن أبيه، روى عنه نافع بن يزيد. قال ابن عساكر: عقبة بن نافع، روى عنه ابن هبيرة، وصاعد، وابنه أبو عبيدة، يعد في المصريين. ومما رواه عن أبي عبيدة بن عقبة بن نافع حدثه عن أبيه قال انظروا ممن تأخذون فإنه دين -يعني الحديث، حدثني أحمد أنا عبد الله حدثنا عبد الرحمن بن شريح قال سمعت صاعدا مولى عبد الله بن عمرو عن عبد الله بن عمرو فيمن يموت مرابطا: أنه يأمن من الفزع الأكبر يوم القيامة.(21)
ابن شهاب الزهري: محمد بن مسلم أبو بكر القرشي الزهري المدني نزيل الشام، الإمام العلم، حافظ زمانه، أول من دون الحديث، ولد سنة 50 أو 51هـ، توفي سنة 124. قال الإمام البخاري: روى عنه الزهري.(22)
رسالة:

إلى الذين يعرضون عن الأمجاد التي يجدونها منثورة حيثما نظروا في كتب التاريخ والحديث ومختلف العلوم، وحيثما قلبوا أنظارهم في تاريخ البطولات؛ ومع ذلك فهم يتجهون إلى اختلاق أمجاد لم تقع ولم تثبت ويلصقون بمن يريدون ما لا علاقة له به.. كل ذلك هروبا من الحقيقة التي اتفق عليها العلماء في مختلف الفنون عبر القرون واتفقت مع سير الأحداث ومنطق التاريخ..
أقول: الحمد لله أن للناس عيونا تبصر، وعقولا تفهم وتقارن وتدقق، والحمد لله أن في المؤرخين المعاصرين والدارسين مفكرين اتصفوا بالنزاهة وحكموا على الأمور من خلال النصوص الموجودة وسياق الأحداث..
وأخيرا فلقد عاهدت الله تعالى أن أبحث عن الحقيقة حيثما تكون فلا أسوق المعطيات كما يريد هواي؛ ولكن أصوغ المعطيات كما تكون وكما تؤدي إليه الدراسات والأبحاث ومنطق الأحداث وسير التاريخ. ولا يهمني بعد ذلك أن تكون الحقيقة في حوزتي أو حوزة غيري، فالمهم عندي أن توجد الحقيقة دون تلميع..
وبعد ف:
أولئك آبائي فجئني بمثلهم * إذا جمعتنا يا جرير المجامع
***
(1) أنا بإذن الله بصدد كتابة بحث يتناول كل جوانب سيرة عقبة بن نافع الفهري من المصادر التاريخية ينصف عقبة من جور الباحثين، ويرفع الغطاء عن جوانب كثيرة كانت مجهولة..
(2) الإصابة 7/92، منهم أبو عبيدة وعياض ومحمد بن منصور وابناه ومحمد بن الحارث وغيرهم كثير وسنجتهد في الكتابة عنهم بعون الله تعالى
(3) لقد حفلت كتب التاريخ والفتوح بأخباره
(4) خطبه موجودة في كتب الفتوح
ومع الحلقة الثانية إن شاء الله
أرجو من القراء التعليق على الموضوع ؛ فبدون تعليقاتكم لا يكون للموضوع أهمية تذكر..