مدينة ندرومة عبر العصورج2
صفحة 1 من اصل 1
مدينة ندرومة عبر العصورج2
كانت البلاد تدعى بإفريقيا: في العام الثاني؛ بعدما نظم جيشا قويا فتح المغرب الأقصى لتوسيع مملكته التي كانت عظيمة آنذاك. وفي طريقه من وهران إلى تلمسان؛ طلبت منه الجيوش التي كانت تابعة له الرجوع إلى ديارهم، فسمح لهم الأمير عبد المؤمن بذلك؛ ولم يبقى معه إلا ألف رجل من كل قبيلة؛ أبقاهم معه ليعزز ويستمر في فتوحاته، غير أن الجنود ثأروا لأنهم لم ينالوا من قائدهم الجزاء المنتظر منه.
وقع اجتماع سري بين رؤساء الجيش ؛ وقرّروا قتل الأمير تلك الليلة. كان يوجد بينهم رجل وليّ صالح يدعى أحمد البجايي؛ فسمع هذه المؤامرة؛ فأسرع يخبر الأمير على هذه الدسيسة. وطلب منه أن يقوم مقامه لينقد ها الأمير . فأذن له عبد المؤمن أن ينام في الخيمة الملكية؛ وفي الغد وجدت جثة الوليّ مملوءة بالدّم على سرير الأمير؛ فنقل هذا الشهيد على ظهر ناقة؛ ثم تركوها تسير لوحدها إلى أن توقفت في المكان الذي مكثت فيه الناقة؛ أمر السلطان عبد المؤمن أن تتأسس المدينة فيه؛ وهكذا شيدت مدينة ندرومة؛ ويقال أن قبيلة غمارى من سلالة الجنود الأسرى الذين كانوا في القصبة على عهد الموحدين.
والسؤال المطروح هو: هل كان هذا الأمير هو المؤسس الحقيقي لندرومة؟ أم أقامها على أنقاضها ؟
و الأرجح هو الرأي الأخير حسب الحاج حمزة بن رحّال حيث يقول: حينما حفرت الأرض وجدوا بها حقل؛ وجدران؛ وآجور وركام من الحجر يدلّ على وجود مدينة من قبل.
هذه الأسوار الباقية إلى يومنا هذا ترجع إلى عهد عبد المؤمن. أما الحائط إذا كان مبنيا في عهده، لابد أن يبقى قائما ؛ ولطن آثاره اندثرت؛ وهكذا نرى بأن هذا السور كان قديما؛ وكان موجودا قبل قدوم الأمير الموحدي الذي لم يشيد في حقيقة الأمر إلا جانبا من ندرومة ؛ ويؤكد الحاج حمزة قائلا: إذا رأينا سور المدينة القديم؛ فإنه يدل على وجود مدينة كانت أعظم ممّا هي عليه حاليا.
ويذكر أن عبد المؤمن أراد أن يشيد مدينة في ناحية العين الكبيرة التي تبعد بسبع أو ثمان كلم عن ندرومة ؛ فشرع في بناء الأسوار التي هي قائمة لحدّ الآن ؛ غير أنه غيّر رأيه عندما سمع أحد السكان ينطق بكلمة مشئومة وهكذا أسست مدينة ندرومة.
يرى البعض أن كلمة ندرومة كانت تدعى مدينة البطحاء أو فلوسن؛ وهو اسم الجبل الذي يحمل حاليا هذا الاسم. أما معنى كلمة ندرومة يقول البعض أتت من" ضد" رومة أو "ندرومة" بمعنى تشابه روما. غير أن هذا الرأي أهمل لأن ندرومة معناه " نظروا الماء " وهذه العبارة قد نطق بها الفرسان العرب الذين أتوا من تلمسان نحو هذه الناحية؛ ولما رأوا ماء البحر؛ نطقوا بكلمة " أنظروا الماء " التي أصبحت ندرومة. وهكذا من يقول بأن ندرومة تأتي من كلمة بربرية تنظر مت ثم عرّبت: ومعناها: توسيع سهل في سطح الجبل.
أما ابن خلدون، فيذكر بأن مدينة ندرومة أخذت اسم قبيلة ندرومة التي هي من بطن الكومية. أما الكومية الذين يعرفون بصطفورة لهم بطون ثلاث: ندرومة- مغاوة – بنو بلول أحفاظهم كثيرة منهم بنو عابد قوم عبد المؤمن بن عليّ. وكومية يعرفون بسطفورة بنو فاتن ابن تمصيت أو تمزيت ابن دارس بن راهق؛ ابن مادغيس الأبثر.
في عهد الأدارسة في القرن التاسع الميلادي(9م) كانت مدينة تدعى فلوسن، ولم تكن تحمل اسم ندرومة؛ وكانت آنذاك عاصمة النواحي المجاورة لها التي أصبحت تحمل في القرن الخامس باسم ترارة(بمعنى ترارس: الرجال الصناديد الشجعان).
وترارة مجموعة من القبائل الكومية لتلك الناحية؛ يبدوا أن العرب أدخلوا هذه القبائل إلى الإسلام على عهد الأدارسة؛ غير أننا لا نعرف شيئا كيف تعرّبوا هؤلاء البرابرة؛ وكيف تقبلوا الفتح الإسلامي و الدين الإسلامي. ربما كان يوجد بهذه المدينة مركز ديني من الخوارج الصفرية في القرن الثامن الميلادي؛ وأصبحت هذه المدينة حتّى القرن الحادي عشر(11م) تتميز بمكانة مرموقة في ميدان الدين الإسلامي: كان لها أثر على القبائل الكومية
ــ ندرومة في عهد المرابطين في القرنين الخامس و السادس الهجريين):
في سنة 1078م كان يوسف ابن تاشفين أمير قبائل المرابطين وموطد أركان الدولة المرابطية، كان يسعى لتوحيد المغرب العربي تحت سلطة المرابطين، فأرسل جيشا لفتح تلمسان سنة 1079م فقاد بن تاشفين حملة ثانية على تلمسان؛ فدخلها سنة 445هـ.
وفي القرن الخامس و السادس الهجري، نشر المرابطون الإسلام في نواحي ترارة، وانتشرت الثقافة والدراسات الدينية وشيد مسجد مدينة ندرومة في عهد المرابطين.
في سنة 1900م عثر روني باسي- René basset- على لوحة من شجر الأرز كانت جزء من منبر الجامع الكبير
وهي مكتوبة بالخط الكوفي: ونقلها" باسي" إلى متحف الآثار القديمة بالجزائر العاصمة ويصف باسي هذه اللوحة قائلا: ارتفاع هذه اللوحة هو متر وعرضها 0.728.ارتفاع كل سطر 0.054م- 0.065م. وعدّة أسطر انمحت سنة 474هـ /1082م-1081م في عهد يوسف بن تاشفين الذي كان يحكم المغرب الوسط آنذاك.
فهي معاصرة لمنبر سيدي عقبة الذي يعتبر أقدم منبر في الجزائر كيبي على هذه اللوحة ما يلي:
" بسم الله الرحمن الرحيم؛ وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطيبين وسلم تسليما؛ لا إله إلا الله ومحمد رسول الله: إن الدين عند الله الإسلام؛ ومن يبع غير الإسلام دينا؛ فلن يقبل منه؛ وهو في الآخرة من الخاسرين".
هذا مما أنعم له به الأمير السيّد... بن يوسف بن تاشفين أدام الله توفيقه وأجزاء... (و) كان الفراغ منه على يدي الفقيه أبي محمد عبد الله بن سعيد يوم الخميس السابع عشر من شهر...و(والسطران الأخيران ممحوان). وكانت النقود في عهد يوسف بن تاشفين تشتمل على العبارة؛ ومن يبتغي غير الإسلام إلى آخر...
ــ ندرومة في عهد الموحدين(أي في القرنين السادس و السبع هجري):
لمّا وصف الإدريسي مدينة ندرومة في سنة 1134م، ذكر أنها مدينة قديمة وكبيرة؛ لها خصائص العمران المدني.
يذكر التاريخ بأن المؤسس الحقيقي لندرومة هو الأمير عبد المؤمن بن علي أمير الموحدين.
ولد عبد المؤمن بن علي سنة 487هـ- سنة558هـ/(1094 – 1163) بتاجرة قرب ندرومة؛ ولما أصبح أميرا؛ كان يعتمد على قبيلته الكومية؛ وعلى قبائل الناحية لتسيير شؤون الدولة الموحدية.
تعتبر مدينة ندرومة معهد الموحدين؛ وقد عرفت ازدهارا وشأنا آنذاك وكانت تتمتع بنوع من الاستقلال؛ ولم تخضع للهجومات والاضطرابات التي كانت تهددها في سنة 629؛ ذهب يوسف العبد الوادي الذي كان واليا على تلمسان من طرف إدريس المأمون ألموحدي؛وهو عاشر أمراء الموحدين؛ ذهب لضرب الحصار على ندرومة سنة 629هـ- (1231 – 1232م) لأنها رفضت مبايعته؛ ولم تخضع له؛ وقام أحد سكانها المسمى يوسف الغفار التلمساني ورماه بسهم وبحجر من صورها فقتله؛ واستمرت ندرومة متمتعة باستقلالها في تلك الأثناء، إلى أن مال نجم الدولة الموحدية إلى الأفول. فتقلص إثرها نفوذ الموحدين في الوادي؛ وتعرضت ندرومة إلى هجومات وفتن وصراعات مستمرة.
ــ ندرومة في عهد بني مرين من سنة 688هـ إلى 796هـ:
كانت تلمسان هي عاصمة بني عبد الواد وفاس وعاصمة بني مرين. وكلتا الدولتين من قبيلة زناتة، كانت هاتان الدولتان في صراع مستمر؛ ودام النزاع طوال حكم إيموغراسن( 1235م- 1283م).
كان هارون بن موسى رئيس قبيلته؛ الطاغرت بتاونت قرب الغزوات مواليا للسلطان المريني واحتل ندرومة؛ ثم أرجعها يغمراسن إلى نفوذه؛ ثم أخذها من جديد المرييون وأرجعوها إلى مارون بن موسى: ثم أخذها مرة أخرى الملك عبد الوادي من يغمراسن حوالي سنة 667هـ ( 1268 – 1269)
لم تعد إلى الحكم بني مرين إلا في أواخر القرن السابع هجري؛ حيث دخل أبو يعقوب يوسف المريني على تلمسان؛ وأراد قطع كل المواصلات عن هذه المدينة ؛ ودخل إلى ندرومة في شهر رمضان 696هـ جوان 1297م؛ وحاصر ندرومة ؛ هذا بمضي أكثر من شهر؛ ورماها بوابل من الحجارة ليجبرها إلى الخضوع. ولم يقض عليها؛ وفي أوت 1297م تركها وفك الحصار عليها، ثم توجه إلى وهران.
وحين دخوله إلى المغرب، ترك يوسف جيشا تحت قيادة أخيه أبي بكر بن يعقوب؛ فخرب نواحي ندرومة؛ وكان زكريا بن يخلفتن المطغري واليا على ندرومة وتامنت قرب الغزوات؛ كان مواليا لبني مرين؛ فتآمر معهم وسلّم ندرومة إلى أبي يحي المريني؛ وهكذا قدم شيوخ المدينة خضوعهم إلى أبي يعقوب يوسف.
بقيت ندرومة تعاني من اضطهاد بني مرين؛ طيلة اثنتي عشر سنة ودامت هذه المعاملة السيئة إلى سنة 747هـ - 1347م؛ ثم تولى تسيير أمور المدينة، الأمراء الحفصيون: إلى أن احتل أبو الحسن المريني المغرب الأوسط وفي عهد أبي أبي عنان المريني، استرجع أبو سعيد العبد الوادي من أبو ثابت ملكهما بتلمسان؛ وذلك سنة 1348م؛ وفي تلك الفترة ثار ضدهما إبراهيم بن عبد المالك من قبيلة بني عابد؛ غير أن أبا ثابت كان له بالمرصاد؛ واحتل إثر هذا النزاع هنين وندرومة، أبو يوسف يعقوب، أخو سعيد وأبو ثابت من بني عبد الواد؛ واعتزل بهذه المدينة ؛ وعاش بعيدين عن كل نشاط سياسي. وكان معه ابنه أبو حمّو موسى الثاني، مقتفيا سيرة أبيه؛ وتزوج في تلك الأثناء، فولد ولد سنة 752هـ، سمّاه أبى تاشفين؛ وهو أكبر أبناءه، ثم عادت مدينة ندرومة إلى نفوذ بني مرين في تلك الحقبة؛ فأمر أبو عنان المريني أن يعامل أبا يعقوب؛ وابنه معاملة حسنة؛ وبعدئذ أخذهما إلى عاصمته فاس وأكرمهما، ثم عاد بعدئذ إلى تلمسان.
وفي سنة 749هـ/1348م بنيت صومعة المسجد الكبير، منارتها يبلغ طولها 18م؛ وتوجد في أسفله لوحة من المرمر مكتوب عليها ما يلي:
" بسم الله الرحمن الرحيم؛ وصلى الله على سيدنا محمد، بنى هذا الصامع أهل ندرومة بأموالهم وأنفسهم؛ وكل احتساب لله وانبنت في خمسين يوما وسبع هاته – رحمة الله – أجمعين "
من الملاحظ أن أخطاء عديدة توجد بهذا النص( كتبناه كما ورد في الأصل) يرجع تاريخ الصومعة إلى إمارة بني عبد الواد الزيانية. أبي سعيد عثمان الثاني سنة 749هـ/1348م وهو سادس أمرائهم. وإلى عهد إمارة بني مرين؛ أبي عنان فارس المتوكل الحادي عشر من أمراءهم.
ويبدو أن قدوم أبي يعقوب يوسف السلطان، التقي الصوفي إلى مدينة ندرومة كان دافعا وحافزا لبناء هذه الصومعة في أقل من شهرين. و هذه الصومعة كانت للأذان والحراسة والاتصال بجهات أخرى بواسطة الإشارات النازية: ويبلغ عمر الصومعة حاليا ستة قرون وستة وأربعين سنة 646. إن الإنسان يشعر بطمأنينة وسكينة تميل النفس إلى العبادة ؛ والخشوع؛ فيغمرها الألفة لما تجده من بساطة وصفاء تبلغ صفة الكمال وفي القرن التاسع الهجري ظهرت حملة صوفية عمّت البلاد ؛ وانتشرت في ندرومة ونواحيها؛ وبقيت مؤثرة في هذه المدينة إلى عصرنا الحاضر، حيث كان يوجد بها 296 ولي صالح؛ و 9 نساء وليات صالحات وعدّة زوايا ومساجد ومربيون في شتى الطرق الصوفية حسب ما ذكر روني باسي (René basset) في سنة 1548 وقعت معاهدة لتوحيد قبائل ترارة تحت إشراف الولي الصالح السيّد اليعقوبي لمحاربة الأسبان. فمنعهم هذا الرجل الشجاع مع جنوده ولم يتمكن الأسبان من احتلال ندرومة ونواحيها. وتوجد هذه الوثيقة في كتاب ــRené basset ــ و الأصل لهذه الوثيقة يوجد بحوزة جمعية الآمال الموحدية بندرومة.( وأتاحوا لنا الفرصة لقراءتها )
وقعت حملتان مغربيتان لإخضاع ندرومة تحت الحكم المغربي: تحت قيادة مولاي محمد الشريف سنة 1651، و الأخرى تحت قيادة سيدي إسماعيل سنة 1875، إلى أن زحف عليها داي الجزائر سنة 1791.
في سنة 1971م سلّم الأسبان الجزائر لداي الجزائر حسّان؛ وفي تلك الأثناء زحف داي الجزائر إلى ندرومة؛ وأخضع سكانها؛ وألزمهم بدفع غرامة سنوية ثقيلة تشمل على مائة قطعة من الكتان القطني. وأوقع الجيش الإنكشاري فتنة وسوء معاملة سكان المدينة؛ كانت توجد فئة مؤيدة للأتراك ؛ وفئة مؤيدة للمغاربة؛ ثم بلغت الغرامة 1000 قطعة من الكتان القطني؛ وحسب ما ذكره الحاج حمزة بن رحّال في تاريخه لندرومة فقد دفعت هذه المدينة الباي على غرامة أخرى عندما عزم على هجوم بني وار سوس؛ وأولاد بني ددوش؛ وقتل عدد كبير من رؤسائهم . وبقيت ندرومة تحت الحكم التركي إلى الاحتلال الفرنسي.
ــ ندرومة في عهد الاحتلال الفرنسي:
لم تتميز فترة ما قبل الاحتلال بحوادث تؤثر على وضعية المدينة. كانت شؤون البلدة مسيرة من طرف جماعة من الشخصيات البارزة، كانت تسهر على أمن المدينة ونظامها، وتستخدم الضرائب للإصلاحات العامة .
ولما بدأت المقاومة الجزائرية ، تحت لواء الأمير عبد القادر ضد الاحتلال الفرنسي وقعت عدّت معارك في هذه النواحي؛ أهمها في سنة 1831؛ وقعت معركة على ضفاف وادي تافنة؛ ضد الماريشال كلوز يل ؛ فقرّر الأمير عبد القادر أن يجعل من ندرومة قاعة من الناحية الغربية ؛ ثمّ أجّل ذلك إلى سنة 1836
وبعد 1836، بعد الاشتباكات التي شنّها الأمير ضدّ....................في شهر جويلية ؛ رجع إلى ندرومة؛ بعد هزيمة السكان، وأقام مقرا لمعالجة الجرحى من جيوشه.
وفي 30 ماي 1837 احترقت معاهدة تافنة بملكية ندرومة للأمير عبد القادر؛ وفي تلك الفترة عيّن الأمير السيّد الحاج حمزة بن رحال كإمام وقاضي بندرومة: وذلك سنة 1155هـ/1839م
وقع اجتماع سري بين رؤساء الجيش ؛ وقرّروا قتل الأمير تلك الليلة. كان يوجد بينهم رجل وليّ صالح يدعى أحمد البجايي؛ فسمع هذه المؤامرة؛ فأسرع يخبر الأمير على هذه الدسيسة. وطلب منه أن يقوم مقامه لينقد ها الأمير . فأذن له عبد المؤمن أن ينام في الخيمة الملكية؛ وفي الغد وجدت جثة الوليّ مملوءة بالدّم على سرير الأمير؛ فنقل هذا الشهيد على ظهر ناقة؛ ثم تركوها تسير لوحدها إلى أن توقفت في المكان الذي مكثت فيه الناقة؛ أمر السلطان عبد المؤمن أن تتأسس المدينة فيه؛ وهكذا شيدت مدينة ندرومة؛ ويقال أن قبيلة غمارى من سلالة الجنود الأسرى الذين كانوا في القصبة على عهد الموحدين.
والسؤال المطروح هو: هل كان هذا الأمير هو المؤسس الحقيقي لندرومة؟ أم أقامها على أنقاضها ؟
و الأرجح هو الرأي الأخير حسب الحاج حمزة بن رحّال حيث يقول: حينما حفرت الأرض وجدوا بها حقل؛ وجدران؛ وآجور وركام من الحجر يدلّ على وجود مدينة من قبل.
هذه الأسوار الباقية إلى يومنا هذا ترجع إلى عهد عبد المؤمن. أما الحائط إذا كان مبنيا في عهده، لابد أن يبقى قائما ؛ ولطن آثاره اندثرت؛ وهكذا نرى بأن هذا السور كان قديما؛ وكان موجودا قبل قدوم الأمير الموحدي الذي لم يشيد في حقيقة الأمر إلا جانبا من ندرومة ؛ ويؤكد الحاج حمزة قائلا: إذا رأينا سور المدينة القديم؛ فإنه يدل على وجود مدينة كانت أعظم ممّا هي عليه حاليا.
ويذكر أن عبد المؤمن أراد أن يشيد مدينة في ناحية العين الكبيرة التي تبعد بسبع أو ثمان كلم عن ندرومة ؛ فشرع في بناء الأسوار التي هي قائمة لحدّ الآن ؛ غير أنه غيّر رأيه عندما سمع أحد السكان ينطق بكلمة مشئومة وهكذا أسست مدينة ندرومة.
يرى البعض أن كلمة ندرومة كانت تدعى مدينة البطحاء أو فلوسن؛ وهو اسم الجبل الذي يحمل حاليا هذا الاسم. أما معنى كلمة ندرومة يقول البعض أتت من" ضد" رومة أو "ندرومة" بمعنى تشابه روما. غير أن هذا الرأي أهمل لأن ندرومة معناه " نظروا الماء " وهذه العبارة قد نطق بها الفرسان العرب الذين أتوا من تلمسان نحو هذه الناحية؛ ولما رأوا ماء البحر؛ نطقوا بكلمة " أنظروا الماء " التي أصبحت ندرومة. وهكذا من يقول بأن ندرومة تأتي من كلمة بربرية تنظر مت ثم عرّبت: ومعناها: توسيع سهل في سطح الجبل.
أما ابن خلدون، فيذكر بأن مدينة ندرومة أخذت اسم قبيلة ندرومة التي هي من بطن الكومية. أما الكومية الذين يعرفون بصطفورة لهم بطون ثلاث: ندرومة- مغاوة – بنو بلول أحفاظهم كثيرة منهم بنو عابد قوم عبد المؤمن بن عليّ. وكومية يعرفون بسطفورة بنو فاتن ابن تمصيت أو تمزيت ابن دارس بن راهق؛ ابن مادغيس الأبثر.
في عهد الأدارسة في القرن التاسع الميلادي(9م) كانت مدينة تدعى فلوسن، ولم تكن تحمل اسم ندرومة؛ وكانت آنذاك عاصمة النواحي المجاورة لها التي أصبحت تحمل في القرن الخامس باسم ترارة(بمعنى ترارس: الرجال الصناديد الشجعان).
وترارة مجموعة من القبائل الكومية لتلك الناحية؛ يبدوا أن العرب أدخلوا هذه القبائل إلى الإسلام على عهد الأدارسة؛ غير أننا لا نعرف شيئا كيف تعرّبوا هؤلاء البرابرة؛ وكيف تقبلوا الفتح الإسلامي و الدين الإسلامي. ربما كان يوجد بهذه المدينة مركز ديني من الخوارج الصفرية في القرن الثامن الميلادي؛ وأصبحت هذه المدينة حتّى القرن الحادي عشر(11م) تتميز بمكانة مرموقة في ميدان الدين الإسلامي: كان لها أثر على القبائل الكومية
ــ ندرومة في عهد المرابطين في القرنين الخامس و السادس الهجريين):
في سنة 1078م كان يوسف ابن تاشفين أمير قبائل المرابطين وموطد أركان الدولة المرابطية، كان يسعى لتوحيد المغرب العربي تحت سلطة المرابطين، فأرسل جيشا لفتح تلمسان سنة 1079م فقاد بن تاشفين حملة ثانية على تلمسان؛ فدخلها سنة 445هـ.
وفي القرن الخامس و السادس الهجري، نشر المرابطون الإسلام في نواحي ترارة، وانتشرت الثقافة والدراسات الدينية وشيد مسجد مدينة ندرومة في عهد المرابطين.
في سنة 1900م عثر روني باسي- René basset- على لوحة من شجر الأرز كانت جزء من منبر الجامع الكبير
وهي مكتوبة بالخط الكوفي: ونقلها" باسي" إلى متحف الآثار القديمة بالجزائر العاصمة ويصف باسي هذه اللوحة قائلا: ارتفاع هذه اللوحة هو متر وعرضها 0.728.ارتفاع كل سطر 0.054م- 0.065م. وعدّة أسطر انمحت سنة 474هـ /1082م-1081م في عهد يوسف بن تاشفين الذي كان يحكم المغرب الوسط آنذاك.
فهي معاصرة لمنبر سيدي عقبة الذي يعتبر أقدم منبر في الجزائر كيبي على هذه اللوحة ما يلي:
" بسم الله الرحمن الرحيم؛ وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطيبين وسلم تسليما؛ لا إله إلا الله ومحمد رسول الله: إن الدين عند الله الإسلام؛ ومن يبع غير الإسلام دينا؛ فلن يقبل منه؛ وهو في الآخرة من الخاسرين".
هذا مما أنعم له به الأمير السيّد... بن يوسف بن تاشفين أدام الله توفيقه وأجزاء... (و) كان الفراغ منه على يدي الفقيه أبي محمد عبد الله بن سعيد يوم الخميس السابع عشر من شهر...و(والسطران الأخيران ممحوان). وكانت النقود في عهد يوسف بن تاشفين تشتمل على العبارة؛ ومن يبتغي غير الإسلام إلى آخر...
ــ ندرومة في عهد الموحدين(أي في القرنين السادس و السبع هجري):
لمّا وصف الإدريسي مدينة ندرومة في سنة 1134م، ذكر أنها مدينة قديمة وكبيرة؛ لها خصائص العمران المدني.
يذكر التاريخ بأن المؤسس الحقيقي لندرومة هو الأمير عبد المؤمن بن علي أمير الموحدين.
ولد عبد المؤمن بن علي سنة 487هـ- سنة558هـ/(1094 – 1163) بتاجرة قرب ندرومة؛ ولما أصبح أميرا؛ كان يعتمد على قبيلته الكومية؛ وعلى قبائل الناحية لتسيير شؤون الدولة الموحدية.
تعتبر مدينة ندرومة معهد الموحدين؛ وقد عرفت ازدهارا وشأنا آنذاك وكانت تتمتع بنوع من الاستقلال؛ ولم تخضع للهجومات والاضطرابات التي كانت تهددها في سنة 629؛ ذهب يوسف العبد الوادي الذي كان واليا على تلمسان من طرف إدريس المأمون ألموحدي؛وهو عاشر أمراء الموحدين؛ ذهب لضرب الحصار على ندرومة سنة 629هـ- (1231 – 1232م) لأنها رفضت مبايعته؛ ولم تخضع له؛ وقام أحد سكانها المسمى يوسف الغفار التلمساني ورماه بسهم وبحجر من صورها فقتله؛ واستمرت ندرومة متمتعة باستقلالها في تلك الأثناء، إلى أن مال نجم الدولة الموحدية إلى الأفول. فتقلص إثرها نفوذ الموحدين في الوادي؛ وتعرضت ندرومة إلى هجومات وفتن وصراعات مستمرة.
ــ ندرومة في عهد بني مرين من سنة 688هـ إلى 796هـ:
كانت تلمسان هي عاصمة بني عبد الواد وفاس وعاصمة بني مرين. وكلتا الدولتين من قبيلة زناتة، كانت هاتان الدولتان في صراع مستمر؛ ودام النزاع طوال حكم إيموغراسن( 1235م- 1283م).
كان هارون بن موسى رئيس قبيلته؛ الطاغرت بتاونت قرب الغزوات مواليا للسلطان المريني واحتل ندرومة؛ ثم أرجعها يغمراسن إلى نفوذه؛ ثم أخذها من جديد المرييون وأرجعوها إلى مارون بن موسى: ثم أخذها مرة أخرى الملك عبد الوادي من يغمراسن حوالي سنة 667هـ ( 1268 – 1269)
لم تعد إلى الحكم بني مرين إلا في أواخر القرن السابع هجري؛ حيث دخل أبو يعقوب يوسف المريني على تلمسان؛ وأراد قطع كل المواصلات عن هذه المدينة ؛ ودخل إلى ندرومة في شهر رمضان 696هـ جوان 1297م؛ وحاصر ندرومة ؛ هذا بمضي أكثر من شهر؛ ورماها بوابل من الحجارة ليجبرها إلى الخضوع. ولم يقض عليها؛ وفي أوت 1297م تركها وفك الحصار عليها، ثم توجه إلى وهران.
وحين دخوله إلى المغرب، ترك يوسف جيشا تحت قيادة أخيه أبي بكر بن يعقوب؛ فخرب نواحي ندرومة؛ وكان زكريا بن يخلفتن المطغري واليا على ندرومة وتامنت قرب الغزوات؛ كان مواليا لبني مرين؛ فتآمر معهم وسلّم ندرومة إلى أبي يحي المريني؛ وهكذا قدم شيوخ المدينة خضوعهم إلى أبي يعقوب يوسف.
بقيت ندرومة تعاني من اضطهاد بني مرين؛ طيلة اثنتي عشر سنة ودامت هذه المعاملة السيئة إلى سنة 747هـ - 1347م؛ ثم تولى تسيير أمور المدينة، الأمراء الحفصيون: إلى أن احتل أبو الحسن المريني المغرب الأوسط وفي عهد أبي أبي عنان المريني، استرجع أبو سعيد العبد الوادي من أبو ثابت ملكهما بتلمسان؛ وذلك سنة 1348م؛ وفي تلك الفترة ثار ضدهما إبراهيم بن عبد المالك من قبيلة بني عابد؛ غير أن أبا ثابت كان له بالمرصاد؛ واحتل إثر هذا النزاع هنين وندرومة، أبو يوسف يعقوب، أخو سعيد وأبو ثابت من بني عبد الواد؛ واعتزل بهذه المدينة ؛ وعاش بعيدين عن كل نشاط سياسي. وكان معه ابنه أبو حمّو موسى الثاني، مقتفيا سيرة أبيه؛ وتزوج في تلك الأثناء، فولد ولد سنة 752هـ، سمّاه أبى تاشفين؛ وهو أكبر أبناءه، ثم عادت مدينة ندرومة إلى نفوذ بني مرين في تلك الحقبة؛ فأمر أبو عنان المريني أن يعامل أبا يعقوب؛ وابنه معاملة حسنة؛ وبعدئذ أخذهما إلى عاصمته فاس وأكرمهما، ثم عاد بعدئذ إلى تلمسان.
وفي سنة 749هـ/1348م بنيت صومعة المسجد الكبير، منارتها يبلغ طولها 18م؛ وتوجد في أسفله لوحة من المرمر مكتوب عليها ما يلي:
" بسم الله الرحمن الرحيم؛ وصلى الله على سيدنا محمد، بنى هذا الصامع أهل ندرومة بأموالهم وأنفسهم؛ وكل احتساب لله وانبنت في خمسين يوما وسبع هاته – رحمة الله – أجمعين "
من الملاحظ أن أخطاء عديدة توجد بهذا النص( كتبناه كما ورد في الأصل) يرجع تاريخ الصومعة إلى إمارة بني عبد الواد الزيانية. أبي سعيد عثمان الثاني سنة 749هـ/1348م وهو سادس أمرائهم. وإلى عهد إمارة بني مرين؛ أبي عنان فارس المتوكل الحادي عشر من أمراءهم.
ويبدو أن قدوم أبي يعقوب يوسف السلطان، التقي الصوفي إلى مدينة ندرومة كان دافعا وحافزا لبناء هذه الصومعة في أقل من شهرين. و هذه الصومعة كانت للأذان والحراسة والاتصال بجهات أخرى بواسطة الإشارات النازية: ويبلغ عمر الصومعة حاليا ستة قرون وستة وأربعين سنة 646. إن الإنسان يشعر بطمأنينة وسكينة تميل النفس إلى العبادة ؛ والخشوع؛ فيغمرها الألفة لما تجده من بساطة وصفاء تبلغ صفة الكمال وفي القرن التاسع الهجري ظهرت حملة صوفية عمّت البلاد ؛ وانتشرت في ندرومة ونواحيها؛ وبقيت مؤثرة في هذه المدينة إلى عصرنا الحاضر، حيث كان يوجد بها 296 ولي صالح؛ و 9 نساء وليات صالحات وعدّة زوايا ومساجد ومربيون في شتى الطرق الصوفية حسب ما ذكر روني باسي (René basset) في سنة 1548 وقعت معاهدة لتوحيد قبائل ترارة تحت إشراف الولي الصالح السيّد اليعقوبي لمحاربة الأسبان. فمنعهم هذا الرجل الشجاع مع جنوده ولم يتمكن الأسبان من احتلال ندرومة ونواحيها. وتوجد هذه الوثيقة في كتاب ــRené basset ــ و الأصل لهذه الوثيقة يوجد بحوزة جمعية الآمال الموحدية بندرومة.( وأتاحوا لنا الفرصة لقراءتها )
وقعت حملتان مغربيتان لإخضاع ندرومة تحت الحكم المغربي: تحت قيادة مولاي محمد الشريف سنة 1651، و الأخرى تحت قيادة سيدي إسماعيل سنة 1875، إلى أن زحف عليها داي الجزائر سنة 1791.
في سنة 1971م سلّم الأسبان الجزائر لداي الجزائر حسّان؛ وفي تلك الأثناء زحف داي الجزائر إلى ندرومة؛ وأخضع سكانها؛ وألزمهم بدفع غرامة سنوية ثقيلة تشمل على مائة قطعة من الكتان القطني. وأوقع الجيش الإنكشاري فتنة وسوء معاملة سكان المدينة؛ كانت توجد فئة مؤيدة للأتراك ؛ وفئة مؤيدة للمغاربة؛ ثم بلغت الغرامة 1000 قطعة من الكتان القطني؛ وحسب ما ذكره الحاج حمزة بن رحّال في تاريخه لندرومة فقد دفعت هذه المدينة الباي على غرامة أخرى عندما عزم على هجوم بني وار سوس؛ وأولاد بني ددوش؛ وقتل عدد كبير من رؤسائهم . وبقيت ندرومة تحت الحكم التركي إلى الاحتلال الفرنسي.
ــ ندرومة في عهد الاحتلال الفرنسي:
لم تتميز فترة ما قبل الاحتلال بحوادث تؤثر على وضعية المدينة. كانت شؤون البلدة مسيرة من طرف جماعة من الشخصيات البارزة، كانت تسهر على أمن المدينة ونظامها، وتستخدم الضرائب للإصلاحات العامة .
ولما بدأت المقاومة الجزائرية ، تحت لواء الأمير عبد القادر ضد الاحتلال الفرنسي وقعت عدّت معارك في هذه النواحي؛ أهمها في سنة 1831؛ وقعت معركة على ضفاف وادي تافنة؛ ضد الماريشال كلوز يل ؛ فقرّر الأمير عبد القادر أن يجعل من ندرومة قاعة من الناحية الغربية ؛ ثمّ أجّل ذلك إلى سنة 1836
وبعد 1836، بعد الاشتباكات التي شنّها الأمير ضدّ....................في شهر جويلية ؛ رجع إلى ندرومة؛ بعد هزيمة السكان، وأقام مقرا لمعالجة الجرحى من جيوشه.
وفي 30 ماي 1837 احترقت معاهدة تافنة بملكية ندرومة للأمير عبد القادر؛ وفي تلك الفترة عيّن الأمير السيّد الحاج حمزة بن رحال كإمام وقاضي بندرومة: وذلك سنة 1155هـ/1839م
مواضيع مماثلة
» مدينة ندرومة
» مدينة ندرومة ونواحيها
» مدينة ندرومة عبر العصورج3
» آثار مدينة ندرومة
» من شعر المقاومة الشعبي من مدينة ندرومة
» مدينة ندرومة ونواحيها
» مدينة ندرومة عبر العصورج3
» آثار مدينة ندرومة
» من شعر المقاومة الشعبي من مدينة ندرومة
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى