الذي امر أولاده بحرقه بعد موته
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
الذي امر أولاده بحرقه بعد موته
تمهيــد:
هذهِ قصَّة رَجُلٍ غرقَ في الذُّنوبِ طيلةَ حَيَاتِهِ، ولم يَفِقْ إلاّ ومَلَكُ الموتِ يَقْرعُ بابَهُ، ويدعوهُ إلى إجابةِ ربِّهِ، فَفَزع فزعًا شديدًا مِنْ عَذَابِ الله، وعَلِمَ أنَّه لَنْ يَنْجُو مِنْ ربِّهِ متَى وَقَفَ بينَ يديْهِ، فَذُنُوبُهُ كثيرةٌ، وحَسَنَاتُهُ مَفْقُودَةٌ، فأرادَ أَنْ يَهْرُبَ مِنْ عَذابِ الله، ولم يَجِدْ سبيلاً لِتَحْقيقِ ذلكَ إلاَّ بأن يُحْرَقَ بَعْدَ مَوتِهِ، ثُمَّ يُذْرى رَمَادُهُ في البَرِّ والبَحْرِ، وهو تَفكيرٌ سَاذِج يَدُلُّ على أَمْرين مُتَنَاقِضَينِ، عِظَمُ خَوفهِ مِنْ عذابِ الله، وهذَا مِنْ أعظمِ العِباداتِ، وجَهْلُهُ بِعِظَمِ قُدرةِ الله، وهذا مِنْ أَعْظَمِ الذُّنوبِ، وقد تَجَاوزَ الله عنْ جَهْلِهِ، وغَفَرَ له بِخَوْفِهِ مِنْهُ.
نص الحديث:
روى مسلم في صحيحِه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: "قَالَ رَجُلٌ لَمْ يَعْمَلْ حَسَنَةً قَطُّ لأَهْلِهِ: إِذَا مَاتَ فَحَرِّقُوهُ، ثُمَّ اذْرُوا نِصْفَهُ فِي الْبَرِّ، وَنِصْفَهُ فِي الْبَحْرِ، فَوَاللَّهِ لَئِنْ قَدَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ لَيُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا لَا يُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنْ الْعَالَمِينَ، فَلَمَّا مَاتَ الرَّجُلُ فَعَلُوا مَا أَمَرَهُمْ، فَأَمَرَ اللَّهُ الْبَرَّ فَجَمَعَ مَا فِيهِ، وَأَمَرَ الْبَحْرَ فَجَمَعَ مَا فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: لِمَ فَعَلْتَ هَذَا؟ قَالَ: مِنْ خَشْيَتِكَ يَا رَبِّ، وَأَنْتَ أَعْلَمُ، فَغَفَرَ اللَّهُ لَهُ".
روايات الحديث في الصحيحين:
جاءَ في بعضِ رواياتِ الحديثِ أنَّ هذَا الرَّجلَ كان ذَا مالٍ وأولادٍ، ففي صحيحِ البخاري "أَنَّ رَجُلاً كَانَ قَبْلَكُمْ رَغَسَهُ اللَّهُ مَالاً) ومَعْنى رَغَسَهُ أيْ كَثَّرَ الله لَهُ مِنَ المالِ والولَدِ.
وجاء في رواية أخرى: "أَعْطَاهُ اللَّهُ مَالاً وَوَلَدًا " (البخاري)، وفي رواية (آتاه) بَدَلَ أَعْطاهُ. وفي رواية عندَ مُسلم (رَاشَهُ اللَّهُ مَالاً وَوَلَدًا)، ومَعْنَى راشَهُ أَعْطاهُ.
وجاءَ في بعضِ الرّواياتِ أنَّه قَالَ ما قَالَ عِنْدَمَا حَضَرَتْهُ الوَفَاةُ (البخاري) وفي رواية "إِنَّ رَجُلاً حَضَرَهُ الْمَوْتُ لَمَّا أَيِسَ مِنْ الْحَيَاةِ" (البخاري).
وفي بعضِ الرِّوايات أنَّ هذا الرَّجلَ كانَ يُسْرِفُ على نَفْسِهِ "كَانَ رَجُلٌ يُسْرِفُ عَلَى نَفْسِهِ " (البخاري)، أيْ بالغَ في الذّنوبِ وأَسْرَفَ في المَعَاصي. وفي بَعْضِ الرواياتِ "قَالَ رَجُلٌ لَمْ يَعْمَلْ حَسَنَةً قَطُّ " (مسلم) أو "قَالَ رَجُلٌ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ" (البخاري).
وجاءَ في رواية أنَّه "قَالَ لِبَنِيهِ أَيَّ أَبٍ كُنْتُ لَكُمْ؟ قَالُوا: خَيْرَ أَبٍ. قَالَ: فَإِنَّهُ لَمْ يَبْتَئِرْ أَوْ لَمْ يَبْتَئِزْ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرًا) (البخاري).
وقَدْ فَسَّرَ قَتادة قوله يِبْتَئِزْ عِنْدَ اللهِ خَيْرًا: أي لم يَدَّخِرْ عند الله خَيْرًا.
وأَمَرَهُم في الرّواية الّتي سُقْتُهَا بأن يُحْرِقُوه، ثم يذْروا نِصفَهُ في البَرِّ والنِّصف الآخرَ في البَحْرِ، وفي روايةٍ أمَرهُم بإحراقِهِ، ثم سَحْقِهِ (البخاري ومسلم)، وجاء في صحيحِ مُسلم أنَّهُ أَمَرَهُم بِتَذْرِيَّتِهِ في الرّيحِ في البَحْرِ. وفي صحيح البخاري أمرهم بِتَذْرِيَّتِهِ في البَحْرِ في يَوْمٍ عَاصِفٍ.
شرح الحديث:
هذه قصَّةُ رَجُلٍ أَنْعَمَ الله عَلَيْهِ في الدُّنيا بالمالِ الكَثيرِ، ورَزَقَهُ الأولادَ، ولكنَّهُ لم يَشْكُر ربَّهُ على نِعَمِه الّتي أَوْلاَهُ إيَّاها، بَل كان غارِِقًا في الذُّنوبِ والمعاصِي طيلَةَ عُمره، فلمَّا حَضَرَهُ الموتُ تذكَّرَ حالَهُ مع ربِّهِ وعِصْيَانِهِ له، فَخَافَ خَوْفًا شديدًا، وعَلِمَ أنَّه مَتَى قَدِمَ علىَ الله فإنَّهُ مُعذِّبُه عذابًا شديدًا، فَزَيَّنَتْ له نَفْسُهُ أن يَهْرُبَ مِنْ عَذابِ الله، وتَفَتَّقَ تَفْكِيرُهُ عَنْ طريقةٍ ظنَّ أنَّهُ يَهْرُبُ بهَا من ذلك العَذابِ، فجاءَ بأَوْلادِهِ، وخَاطَبَهُمْ مُذَكِّرًا إيّاَهُمْ بإحسانِهِ ورِعَايَتِهِ لَهُم، وخاطَبَهُم قائِلاً: أَيُّ أبٍ كُنْتُ لَكُمْ؟ فقالوا: خَيْرَ أَبٍ.
فَحَدَّثَهُم بالَّذي يُقْلِقُهُ ويؤَرِّقُهُ، وأَخْبَرَهُم بِكَثْرَةِ مَعاصيهِ وذُنوبِهِ، وأنَّ الله إِنْ قَدَرَ عليهِ، فإنَّهُ مُعَذِّبُهُ عذابًا لا يُعذِّبُهُ أحدًا، وطَلَبَ مِنْهُم أَنْ يُحْرِقُوهُ ويُذْرُوهُ في الَهواءِ، كي يَتَخلَّصَ مِنْ عذابِ الله، ظانًّا أنّه إن فَعَلوا بهِ ذلك لا يَقْدِرُ الله على جَمْعِهِ وإحيائِهِ.
وَرَسمَ لَهُم الطَّريقَ الّتي يَسْلُكونَها بهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ، وخُلاصَةُ ما طلبَهُ مِنْهُم، أنْ يَجْمَعوا لهُ حَطَبًا، ويُشْعِلُوا فيها النَّار، ثم يَنْظُرُونَ يَوْمًا صَائِفًا حارًّا، ذا ريحٍ عاصِفٍ، فَيَأْخُذونَ نِصْفَ رَمَادِهِ، فَيذْرونَهُ في البَحْرِ، ونصفه الآخر فيذرونَهُ في البرِّ، وهو يظنُّ أنَّه بذلك قد أَحْكَمَ التَّدْبير، فلا يستطيعُ ربُّهُ إعادَتَهُ وإحياءَهُ بعد كلِّ ما فَعَلَهُ أولادُهُ بِهِ.
لقد غَفَلَ هذا المِسْكينُ عَنْ أنَّ الله على كُلِّ شيءٍ قديرٌ، وأنَّه يَبْعَثُ عِبادَهُ في يَوْمِ القيامَةِ، ومِنْهُم الَّذي أَكَلَتْهُ أَسْمَاكُ البِحَارِ، ومِنْهُم مَن أَكَلَتْهٌ الطُّيور المُفْتَرِسَةُ أوْ وُحُوشُ البَرارِي، ومِنْهُم الَّذي تَحَوَّلَ إلى تُرابٍ، وتَكُونُ الأشجَارُ قَدْ تَغَذَّتْ بِتُرَابِهِ، ومَعَ ذلك فإنَّ الله قادرٌ على بَعْثِهِم وإِحْياءِهِم، وجَمْعِهِم من بُطونِ الأسماكِ، وحَوَاصِلِ الطَّيْرِ، وبُطونِ السِّباعِ، كما قال تعالى: إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً (93) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً (94) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً (95) [سورة مريم].
وطلبَ ذلك الرَّجُلُ مِن أَوْلادهِ أَنْ يُعطوه عُهودهُم ومَوَاثِيقَهُم على فِعْل ما طلبَهُ مِنْهُم، وتَهَدَّدَهُمْ إن لم يُعْطوهُ العُهودَ والمواثيقَ بِحِرْمانِهم مِن ميراثِهِم بالإِيصَاءِ بهِ إلى غَيْرِهم، فَعَاهَدوهُ على أَنْ يَفْعلوا بهِ ما طَلَبَ، وأَقْسَموا لهُ على ذلكَ.
وقَدْ فَعَلوا ما طَلبَهُ أَبُوهُم بَعْدَ مَوْتِهِ، فأمَرَ الَحقُّ -تباركَ وتعالَى- الأرْضَ والبَحْرَ بِجَمْعِ ذَرَّاتِهِ، وقال لها كُونِي فُلانًا، فإذا هو قائمٌ، ولمَّا سألَهُ عَنِ السَّبَبِ الَّذي جَعَلَهُ يأمُرُ بِمَا أمَرَ به، قال -وهو أعْلَمُ به-: خَشْيَتُكَ والخَوْفُ مِنْكَ، فغفَرَ لهُ ذُنُوبَهُ بِمَخَافَتِهِ مِنْهُ، وعَذَرَهُ في ظَنِّه عَدَمَ قُدرتِهِ على إعادَتِهِ بِجَهْلِهِ، وسُبْحانَ الغَفورِ القادرِ.
هذهِ قصَّة رَجُلٍ غرقَ في الذُّنوبِ طيلةَ حَيَاتِهِ، ولم يَفِقْ إلاّ ومَلَكُ الموتِ يَقْرعُ بابَهُ، ويدعوهُ إلى إجابةِ ربِّهِ، فَفَزع فزعًا شديدًا مِنْ عَذَابِ الله، وعَلِمَ أنَّه لَنْ يَنْجُو مِنْ ربِّهِ متَى وَقَفَ بينَ يديْهِ، فَذُنُوبُهُ كثيرةٌ، وحَسَنَاتُهُ مَفْقُودَةٌ، فأرادَ أَنْ يَهْرُبَ مِنْ عَذابِ الله، ولم يَجِدْ سبيلاً لِتَحْقيقِ ذلكَ إلاَّ بأن يُحْرَقَ بَعْدَ مَوتِهِ، ثُمَّ يُذْرى رَمَادُهُ في البَرِّ والبَحْرِ، وهو تَفكيرٌ سَاذِج يَدُلُّ على أَمْرين مُتَنَاقِضَينِ، عِظَمُ خَوفهِ مِنْ عذابِ الله، وهذَا مِنْ أعظمِ العِباداتِ، وجَهْلُهُ بِعِظَمِ قُدرةِ الله، وهذا مِنْ أَعْظَمِ الذُّنوبِ، وقد تَجَاوزَ الله عنْ جَهْلِهِ، وغَفَرَ له بِخَوْفِهِ مِنْهُ.
نص الحديث:
روى مسلم في صحيحِه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: "قَالَ رَجُلٌ لَمْ يَعْمَلْ حَسَنَةً قَطُّ لأَهْلِهِ: إِذَا مَاتَ فَحَرِّقُوهُ، ثُمَّ اذْرُوا نِصْفَهُ فِي الْبَرِّ، وَنِصْفَهُ فِي الْبَحْرِ، فَوَاللَّهِ لَئِنْ قَدَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ لَيُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا لَا يُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنْ الْعَالَمِينَ، فَلَمَّا مَاتَ الرَّجُلُ فَعَلُوا مَا أَمَرَهُمْ، فَأَمَرَ اللَّهُ الْبَرَّ فَجَمَعَ مَا فِيهِ، وَأَمَرَ الْبَحْرَ فَجَمَعَ مَا فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: لِمَ فَعَلْتَ هَذَا؟ قَالَ: مِنْ خَشْيَتِكَ يَا رَبِّ، وَأَنْتَ أَعْلَمُ، فَغَفَرَ اللَّهُ لَهُ".
روايات الحديث في الصحيحين:
جاءَ في بعضِ رواياتِ الحديثِ أنَّ هذَا الرَّجلَ كان ذَا مالٍ وأولادٍ، ففي صحيحِ البخاري "أَنَّ رَجُلاً كَانَ قَبْلَكُمْ رَغَسَهُ اللَّهُ مَالاً) ومَعْنى رَغَسَهُ أيْ كَثَّرَ الله لَهُ مِنَ المالِ والولَدِ.
وجاء في رواية أخرى: "أَعْطَاهُ اللَّهُ مَالاً وَوَلَدًا " (البخاري)، وفي رواية (آتاه) بَدَلَ أَعْطاهُ. وفي رواية عندَ مُسلم (رَاشَهُ اللَّهُ مَالاً وَوَلَدًا)، ومَعْنَى راشَهُ أَعْطاهُ.
وجاءَ في بعضِ الرّواياتِ أنَّه قَالَ ما قَالَ عِنْدَمَا حَضَرَتْهُ الوَفَاةُ (البخاري) وفي رواية "إِنَّ رَجُلاً حَضَرَهُ الْمَوْتُ لَمَّا أَيِسَ مِنْ الْحَيَاةِ" (البخاري).
وفي بعضِ الرِّوايات أنَّ هذا الرَّجلَ كانَ يُسْرِفُ على نَفْسِهِ "كَانَ رَجُلٌ يُسْرِفُ عَلَى نَفْسِهِ " (البخاري)، أيْ بالغَ في الذّنوبِ وأَسْرَفَ في المَعَاصي. وفي بَعْضِ الرواياتِ "قَالَ رَجُلٌ لَمْ يَعْمَلْ حَسَنَةً قَطُّ " (مسلم) أو "قَالَ رَجُلٌ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ" (البخاري).
وجاءَ في رواية أنَّه "قَالَ لِبَنِيهِ أَيَّ أَبٍ كُنْتُ لَكُمْ؟ قَالُوا: خَيْرَ أَبٍ. قَالَ: فَإِنَّهُ لَمْ يَبْتَئِرْ أَوْ لَمْ يَبْتَئِزْ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرًا) (البخاري).
وقَدْ فَسَّرَ قَتادة قوله يِبْتَئِزْ عِنْدَ اللهِ خَيْرًا: أي لم يَدَّخِرْ عند الله خَيْرًا.
وأَمَرَهُم في الرّواية الّتي سُقْتُهَا بأن يُحْرِقُوه، ثم يذْروا نِصفَهُ في البَرِّ والنِّصف الآخرَ في البَحْرِ، وفي روايةٍ أمَرهُم بإحراقِهِ، ثم سَحْقِهِ (البخاري ومسلم)، وجاء في صحيحِ مُسلم أنَّهُ أَمَرَهُم بِتَذْرِيَّتِهِ في الرّيحِ في البَحْرِ. وفي صحيح البخاري أمرهم بِتَذْرِيَّتِهِ في البَحْرِ في يَوْمٍ عَاصِفٍ.
شرح الحديث:
هذه قصَّةُ رَجُلٍ أَنْعَمَ الله عَلَيْهِ في الدُّنيا بالمالِ الكَثيرِ، ورَزَقَهُ الأولادَ، ولكنَّهُ لم يَشْكُر ربَّهُ على نِعَمِه الّتي أَوْلاَهُ إيَّاها، بَل كان غارِِقًا في الذُّنوبِ والمعاصِي طيلَةَ عُمره، فلمَّا حَضَرَهُ الموتُ تذكَّرَ حالَهُ مع ربِّهِ وعِصْيَانِهِ له، فَخَافَ خَوْفًا شديدًا، وعَلِمَ أنَّه مَتَى قَدِمَ علىَ الله فإنَّهُ مُعذِّبُه عذابًا شديدًا، فَزَيَّنَتْ له نَفْسُهُ أن يَهْرُبَ مِنْ عَذابِ الله، وتَفَتَّقَ تَفْكِيرُهُ عَنْ طريقةٍ ظنَّ أنَّهُ يَهْرُبُ بهَا من ذلك العَذابِ، فجاءَ بأَوْلادِهِ، وخَاطَبَهُمْ مُذَكِّرًا إيّاَهُمْ بإحسانِهِ ورِعَايَتِهِ لَهُم، وخاطَبَهُم قائِلاً: أَيُّ أبٍ كُنْتُ لَكُمْ؟ فقالوا: خَيْرَ أَبٍ.
فَحَدَّثَهُم بالَّذي يُقْلِقُهُ ويؤَرِّقُهُ، وأَخْبَرَهُم بِكَثْرَةِ مَعاصيهِ وذُنوبِهِ، وأنَّ الله إِنْ قَدَرَ عليهِ، فإنَّهُ مُعَذِّبُهُ عذابًا لا يُعذِّبُهُ أحدًا، وطَلَبَ مِنْهُم أَنْ يُحْرِقُوهُ ويُذْرُوهُ في الَهواءِ، كي يَتَخلَّصَ مِنْ عذابِ الله، ظانًّا أنّه إن فَعَلوا بهِ ذلك لا يَقْدِرُ الله على جَمْعِهِ وإحيائِهِ.
وَرَسمَ لَهُم الطَّريقَ الّتي يَسْلُكونَها بهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ، وخُلاصَةُ ما طلبَهُ مِنْهُم، أنْ يَجْمَعوا لهُ حَطَبًا، ويُشْعِلُوا فيها النَّار، ثم يَنْظُرُونَ يَوْمًا صَائِفًا حارًّا، ذا ريحٍ عاصِفٍ، فَيَأْخُذونَ نِصْفَ رَمَادِهِ، فَيذْرونَهُ في البَحْرِ، ونصفه الآخر فيذرونَهُ في البرِّ، وهو يظنُّ أنَّه بذلك قد أَحْكَمَ التَّدْبير، فلا يستطيعُ ربُّهُ إعادَتَهُ وإحياءَهُ بعد كلِّ ما فَعَلَهُ أولادُهُ بِهِ.
لقد غَفَلَ هذا المِسْكينُ عَنْ أنَّ الله على كُلِّ شيءٍ قديرٌ، وأنَّه يَبْعَثُ عِبادَهُ في يَوْمِ القيامَةِ، ومِنْهُم الَّذي أَكَلَتْهُ أَسْمَاكُ البِحَارِ، ومِنْهُم مَن أَكَلَتْهٌ الطُّيور المُفْتَرِسَةُ أوْ وُحُوشُ البَرارِي، ومِنْهُم الَّذي تَحَوَّلَ إلى تُرابٍ، وتَكُونُ الأشجَارُ قَدْ تَغَذَّتْ بِتُرَابِهِ، ومَعَ ذلك فإنَّ الله قادرٌ على بَعْثِهِم وإِحْياءِهِم، وجَمْعِهِم من بُطونِ الأسماكِ، وحَوَاصِلِ الطَّيْرِ، وبُطونِ السِّباعِ، كما قال تعالى: إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً (93) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً (94) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً (95) [سورة مريم].
وطلبَ ذلك الرَّجُلُ مِن أَوْلادهِ أَنْ يُعطوه عُهودهُم ومَوَاثِيقَهُم على فِعْل ما طلبَهُ مِنْهُم، وتَهَدَّدَهُمْ إن لم يُعْطوهُ العُهودَ والمواثيقَ بِحِرْمانِهم مِن ميراثِهِم بالإِيصَاءِ بهِ إلى غَيْرِهم، فَعَاهَدوهُ على أَنْ يَفْعلوا بهِ ما طَلَبَ، وأَقْسَموا لهُ على ذلكَ.
وقَدْ فَعَلوا ما طَلبَهُ أَبُوهُم بَعْدَ مَوْتِهِ، فأمَرَ الَحقُّ -تباركَ وتعالَى- الأرْضَ والبَحْرَ بِجَمْعِ ذَرَّاتِهِ، وقال لها كُونِي فُلانًا، فإذا هو قائمٌ، ولمَّا سألَهُ عَنِ السَّبَبِ الَّذي جَعَلَهُ يأمُرُ بِمَا أمَرَ به، قال -وهو أعْلَمُ به-: خَشْيَتُكَ والخَوْفُ مِنْكَ، فغفَرَ لهُ ذُنُوبَهُ بِمَخَافَتِهِ مِنْهُ، وعَذَرَهُ في ظَنِّه عَدَمَ قُدرتِهِ على إعادَتِهِ بِجَهْلِهِ، وسُبْحانَ الغَفورِ القادرِ.
رد: الذي امر أولاده بحرقه بعد موته
شكرا على هذا الموضوع
جزاك الله خيرا
جزاك الله خيرا
ندرومي- عدد المساهمات : 93
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 04/10/2011
مواضيع مماثلة
» ابن القسيس الذي أسلم
» قصة ذي الكفل الذي زعم قوم أنه ابن أيوب
» قثة الذي احبه الله لحب اخيه
» سلوكنا في رمضان يعكس واقعنا الذي لا يسر
» قصة ذي الكفل الذي زعم قوم أنه ابن أيوب
» قثة الذي احبه الله لحب اخيه
» سلوكنا في رمضان يعكس واقعنا الذي لا يسر
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى